(ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أو لَيْلَةٍ فإذا هو بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فقال: ما أَخْرَجَكُمَا من بُيُوتِكُمَا هذه السَّاعَةَ؟ قالا: الْجُوعُ يا رَسُولَ الله، قال: وأنا وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَأَخْرَجَنِي الذي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا فَقَامُوا معه فَأَتَى رَجُلًا من الْأَنْصَارِ فإذا هو ليس في بَيْتِهِ فلما رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قالت مَرْحَبًا وَأَهْلًا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أَيْنَ فُلَانٌ؟ قالت: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لنا من الْمَاءِ إِذْ جاء الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قال: الْحَمْدُ لله، ما أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قال: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فيه بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فقال: كُلُوا من هذه، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ، فَذَبَحَ لهم فَأَكَلُوا من الشَّاةِ وَمِنْ ذلك الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فلما أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَتُسْأَلُنَّ عن هذا النَّعِيمِ يوم الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ من بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لم تَرْجِعُوا حتى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ" رواه مسلم.
وفي حادثة أخرى قال جَابِرٌ رضي الله عنه: "أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَطْعَمْتُهُمْ رُطَباً وَأَسْقَيْتُهُمْ مَاءً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مِنَ النَّعِيمِ الذي تُسْأَلُونَ عنه" رواه أحمد.
وعن الزُّبَيْرِ بنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قال: "لَمَّا نَزَلَتْ: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عن النَّعِيمِ، قال الزُّبَيْرُ: يا رَسُولَ الله، فَأَيُّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ عنه وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قال: أَمَا إنه سَيَكُونُ" رواه الترمذي وحسنه.
فإذا كان أفاضل هذه الأمة الذين أقاموا الإسلام، ونصروا الدين، وهاجروا في سبيل الله تعالى، وأخرجوا من ديارهم، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يُسألون عن تمر سدُّوا به جوعهم، فعن ماذا سَنُسأل وقد أغرقتنا النعم من رؤوسنا إلى أقدامنا؟! وأسرفنا فيها وبطرنا وقلَّ فينا شكرها، والرضا بها، بل نطلب المزيد والمزيد؛ فنسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يعاملنا بعفوه ولطفه، وأن يرزقنا شكر نعمته وحسن عبادته.