{تذكير العبيد بنعمة التوحيد }
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه،
وبعدُ فإني باليقين أشهد *** شهادة الإخلاص أن لا يُعبَد
بالحق مألوه سوى الرحمن *** من جلّ عن عيب وعن نقصان
عباد الله: اتقوا الله -جل وعلا- حق تقواه، فمن اتق الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه.
إنّ نعمة التوحيد نعمة عظيمة ومنة كبيرة ولهذا ربنا -عز وجل- قال في كتابه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17]، وقال سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
بأي لسان أشكر الله إنه *** لذو نعمة قد أعجزت كل شاكر
حباني بالإسلام فضلاً ونعمة *** عليّ، وبالقرآن نور البصائر
وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبـل *** عليها اعتقادي يوم كشف السرائر
فله الحمد على هذه النعمة العظيمة، وهذه المنة الكبيرة؛ نعمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ولهذا ربنا -عز وجل- أكمل لنا هذا الدين وأتمه لنا وأكرمنا به وجعلنا من أهله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
عباد الله : احمدوا الله -جل وعلا- أن جعلكم مسلمين، وأن جعلكم من أهل لا إله إلا الله، فما أنعم الله -عز وجل- أعظم نعمة من أن عرفهم لا إله إلا الله.
مرّ رجل على رجل قد توالت عليه الأمراض والأسقام والأوجاع، ولكنه يحمد الله بلسانه ويشكر الله -عز وجل- بقلبه وفؤاده وقال:
حمدت الله أن هداني إلى *** الإسلام والدين الحنيف
فيشكره لساني كل وقت *** ويعرفه فؤادي باللطيف
عباد الله : نعمة التوحيد نعمة عظيمة، ومنة كبيرة حبانا الله لها، وجعلنا الله -عز وجل- من أهلها، كم أناس غيرنا يعبدون غير الله، ويدعون غير الله، ويسألون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويطلبون المدد من غير الله، وأنت تعبد إلها واحدا فردا صمدا. لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.
عباد الله : إليكم هذه البشرى العظيمة، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على حلقة في المسجد فقال: "ما أجلسكم؟"، قالوا جلسنا نحمد الله على نعمة الإسلام، قال: "ألله ما أجلسكم إلا ذاك؟" قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة". جعلني الله وإياكم في هذه اللحظات ممن يباهي بهم ملائكته.
فالتوحيد -عباد الله- هو إفراد الله بالعبادة هو أن تجعل الله -عز وجل- واحدا في عبادتك وفي طاعتك وفي قربتك، وأن تُفرده بأفعاله سبحانه وبحمده، وأن تفرده بأسمائه وصفاته (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18].
وأن تعبد الله مخلصا له الدين، ولهذا أمر الله جميع العالمين بعبادة رب العالمين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].
بل خلقنا الله لها وأوجدنا لها وأحيانا لها وأماتنا عليها (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58].
فالتوحيد هو أن تسلم لله -عز وجل- بقلبك وقالبك، بقلبك وجوارحك (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163].
والتوحيد -عباد الله- واجب على هذه الأمة ولا يصح إسلام عبد حتى يكون موحدا لله -عز وجل- مفردا ربه -عز وجل- بالعبادة كما قال الله -جل وعلا- (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة: 4].
ولهذا خلقنا الله لعبادته سبحانه وبحمده، في الصحيحين من حديث معاذ -رضي الله تعالى عنه- لما كان رديفا على حمار معه عليه الصلاة والسلام قال: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟" قلت الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" فلهذا يجب علينا أن نعبد الله -جل وعلا- وأن نفرده بالعبادة.
ثم يأتي فضل التوحيد،يقول الله -جل وعلا- (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، ففضائل التوحيد لا تُعد ولا تحصى، في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منها والجنة حق والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
وفيهما من حديث عتبان بن مالك: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله".
وفي صحيح مسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة".
وعند الإمام أحمد "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة".
فلهذا عباد الله فضل التوحيد عظيم وأجره كريم من رب كريم، فلهذا فضائله عظيمة كبيرة لا تعد ولا تحصى، ولو لم يكن من فضله إلا أن العبد لا يخلد في النار لكفى بذلك فائدة وفضلا وأجرا من الله -جل وعلا-.
ويأتي تحقيق التوحيد ،وهو تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي كما قال الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ) [المؤمنون:59]، وكما قال -جل وعلا-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18]، وكما قال -جل وعلا-: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا).
فيفرد المرء ربّه بالعبادة تحقيقا وتصفية من شوائب البدع والمعاصي والشرك الأكبر والأصغر فهذا هو تحقيقه ، فعلينا أن نقوّي علاقتنا بربنا، وأن نصفي قلوبنا لربنا، وألا نجعل قلوبنا تلتفت إلى غير الله، ولهذا يقول الله -جل في علاه-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".{رواه مسلم }
وقال النبي لأصحابه -عليه الصلاة والسلام-: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته من نظر رجل إليه".{رواه أحمد}
إذًا علق قلبك بالله في كل أمورك وأحوالك (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163]، علّق قلبك بالذي بيده الضر وبيده النفع يعطي ويمنع يخفض ويرفع يعز من يشاء ويذل من يشاء سبحانه وبحمده.
إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى *** تعلق بالرب الكريم رجاؤه
فأصبح حرا عزة وقناعة *** على وجهه أنواره وضياؤه
وإن علقت بالخلق أطماع نفسه *** تباعد ما يرجو وطال عناؤه
فلا ترجو إلا الله في الخطب وحده *** ولو صح في خل الصفاء صفاؤه
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام
وليتك بيني وبينك عامر *** وبيني وبين الناس خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا تحقيق لا إله إلا الله، وأن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأن يحينا ويمتنا على لا إله إلا الله.