الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن التفقه في الدين من أفضل الأعمال، وهو علامة الخير؛ قال صلى الله عليه وسلم: من يرد اللهُ به خيرا، يُفَقِّهْهُ في الدين. متفق عليه؛ وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح. والعلم في الإسلام يسبق العمل

المزيد
مواضيع مختارة

{لا تنس الدار الآخرة}

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:

فكم تُراود أحدَنا نفسُه أنْ يستمتع في حياته، ويُفكرَ في مستقبله الدّنيوي، ومع هذا التفكير والأمل ينسى السعيَ إلى الآخرة، والعملَ الدؤوب لأجلها، وهنا تكمن المشكلة؛ فنحن ما خُلقنا للمتعة الدنيوية؛ بل خلقنا لغاية شريفة نبيلة عظيمة، وهي توحيد الله وعبادته؛ كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؛ فلماذا تَرَكْنَا هذا المقصد الأعظم، المقصودَ لذاته، وتوجهنا إلى المقصد الدنيء، المقصودِ لغيره؟

والانشغال بالله حُبًّا وتعظيمًا وعبادةً: يجْلب صلاح البال، وانشراح النفس، ونور القلب، والسعادة والطمأنينة، وأما الانشغال بغيرِه: فإنه يجلب الهمّ والقلق والكَدَر؛ قال بعض السلف: ذهب المحبُّون لله بشرف الدنيا والآخرة، إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»(رواه البخاري (6168)، ومسلم (2640)؛ فهم مع الله في الدنيا والآخرة.

ومن عرف الله صفَا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلُّ شيء، وذهب عنه خوفُ المخلوقين، وأنِس بالله، واستوحش من الناس، وأورثتْه المعرفة الحياءَ مِن الله، والتعظيمَ له، والإجلالَ والمراقبةَ والمحبةَ، والتوكلَ عليه والإنابةَ إليه، والرضا به والتسليمَ لأمره؛ فحياة القلب مع الله، لا حياةَ له بدون ذلك أبدًا"(روضة المحبين لابن القيم: 409-411).

وما أقصر وأَتْفَهَ الحياة الدنيا مقارنةً بالحياة الآخرة، التي سنمرّ فيها على أخطار وأهوال الفظيعة، ومنها: هولُ القبر، وهولُ نَفْخَةِ الْفَزَعِ؛ (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ)، وهولُ نَفْخَةِ الصَّعْقِ؛ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ)، وهولُ قيامِ الساعة والبعثِ من القبور؛ (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)، وهولُ الحشر، وهولُ يوم تدنو الشمس قدر ميل، وأهوالُ الحساب والعرضِ على الله -تعالى-، وأهوالُ تطاير الصحف، فلا تدري: هل تأخذها بيمينك أم بشمالك؟، وهولُ العرض على الميزان، فلا تدري: هل ترجح حسناتُك أم سيّئاتُك؟ وهولُ الوقوفِ بين يدي الله -تعالى-، ومُخاطبتِه بلا تُرجمان، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»(رواه البخاري (6539)، ومسلم (1016).

وهولُ العبورِ على الصراطِ، والنارُ تضطرم تحتك، والكلاليب تتخطف مَن حولَك، وهولُ القصاصِ في المظالم على القَنْطَرَةِ التي بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا»(رواه البخاري (6535).

فكم نحن منشغلون في هذه الحياة -التي هي في الأصل مزرعة للآخرة- عن أهوال يوم القيامة، التي ستواجهنا فيها أمورٌ نتمنى حينها أن نرجع إلى الدينا لنعمل صالحًا.

إنَّ كلَّ عاقل يعلم أنه سيُبعث بعد الموت، ثم لا يجِدُّ في الاستعداد لذلك لهو مسكينٌ ظالم لنفسِه، وهذه الحياة الدنيا كساعةٍ بالنسبة للحياة الآخرة؛ كما قال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ).

فالعاقل يستغلّ هذه الساعة القصيرة، ولا يُضيعها فتضيع عليه آخرته الباقية التي لا نهاية لها.

نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا شكر نعمه، ودوام طاعته، إنه على كل شيء قدير.

الكلمة الشهرية
بشرى لأهل الإستقامة

أقرأ المزيد
القائمة البريدية