الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
فمن فضل الله تعالى على عباده ،أن جعل لهم مواسم للطاعات ، يستكثرون فيها من العمل الصالح ، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم تبارك وتعالى ،والسعيد من اغتنم تلك المواسم ، ولم يجعلها تمرّ عليه مرورا عابرا ، ومن هذه المواسم الفاضلة ، العشر من ذي الحجّة ، وهي أيّام شهد لها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنّها أفضل أيّام الدنيا ، وحثّ على العمل الصالح فيها ، بل إنّ الله سبحانه وتعالى ، أقسم بها ، وهذا وحده يكفيها شرفا وفضلا ،إذ العظيم لا يقسم إلاّ بعظيم ،واذا أقسم الله بشئ ، دلّ هذا على عظم مكانته وفضله ، يقول الله تبارك وتعالى{وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} الفجر 1\2
قال جمهور المفسرين من السلف والخلف ، الليالي العشر ، هي عشر ذي الحجّة ، وقال ابن كثير رحمه الله ، وهو الصحيح ، أي أنّها العشر من ذي الحجّة ، وقال الله تعالى
﴿ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾
[ سورة الحج: 28]
قال ابن عباس رضى الله عنه وابن كثير رحمه الله ، الأيام المعلومات ، أيام العشر ، ومن فضائل هذه الأيام ، أنّها أفضل أيّام الدنيا ،كما شهد لها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم بذلك ،فقال :((أفضل أيام الدنيا أيام العشر))؛ يعني: عشر ذي الحجة، قيل: ولا مثلهنَّ في سبيل الله؟ قال: ((ولا مثلهنَّ في سبيل الله، إلا رجل عفَّر وجهه بالتراب))؛ رواه البزار، وابن حبان، وصحَّحه الألباني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام))؛ يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرَج بنفسه وماله، ثم لم يرجِع من ذلك بشيءٍ))؛ رواه البخاري.
فإذا كان الأمر كذالك ، فإنّ هذا يستدعي من العبد أن يجتهد ويكثر من الأعمال الصالحة فيها ، وأن يحسن استقبالها واغتنامها ، وأن يحرص المسلم حرصا شديدا على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة ، ومن عزم على شئ أعانه الله ، وهيّأ له الأسباب الّتي تعينه على إكمال العمل ، ومن صدق الله صدقه الله .
فنسأل الله أن يرزقنا حسن الاستفادة من هذه الأيام ، وأن يعيننا على إغتنامها على الوجه الّذي يرضيه عنّا سبحانه وتعالى.