الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
فيقول الله تعالى في كتابه الكريم ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾
[ سورة البلد: 4]
فيبتلي الله سبحانه وتعالى عبده في هذه الدنيا بالفقر والمرض ،كما يبتلي أقواما بالصحّة والعافية ،وهذه من حكمته سبحانه في خلقه ،كما قال تعالى في كتابه الكريم ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾
[ الأنبياء: 35]
وقال تعالى﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾
[ الملك: 2]
فالعبد يكدح في هذه الدنيا ،ويتقلب فيها بانواع التحركات النافعة ،من عمل صالح ، وطلب رزق حلال ، أو يتقلب فيها بأنواع التقلبات الضّارة في دينه ودنياه ،كما قال سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾
[ سورة الانشقاق: 6]
أي ملاق جزاء عملك من الثواب والعقاب ، فكل عامل سيلقى جزاء عمله من خير أو شرّ.
ولما كان العبد في هذه الدنيا ، لابد له من القيام بحقّ الله ، وحقّ نفسه ، وحقّ من يقوم بمؤنتهم ،كان لابد ّ له من طلب ما يحتاج إليه في معاشه ،فهو بحاجة إلى طلب المال والرزق ، ولكن ينبغي أن يسلك في طلبه مسلك عباد الله المؤمنين ،الّذين يطلبونه من الوجه الحلال ،وينفقونه في الوجوه المشروعة ،وفيما يعود عليهم نفعه في دينهم ودنياهم ، فنعم المال الصالح للرجل الصالح ،يكتسبه من طريق الحلال ، وينفقه في مصالحه ورضا ربّه ، ويعرف حقّ الله فيه ،ولقد حثّ سبحانه وتعالى على طلب الرزق بقوله ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾
[ سورة الملك: 15]
ولقد وصف ، سبحانه وتعالى أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}المزمل 20
فكان أصحاب رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ يجتهدون في طلب الحلال ، كل فيما يناسبه ، فهذا في تجارته ، وذاك في حراثته ، وآخر في صناعته ، ولم تلههم أعمالهم هذه عن طاعة ربهم ، كما وصفهم سبحانه ، ووصف من سار على نهجهم بقوله ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾
[ النور: 37]
فهم لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وشرائها وربحها ، عن ذكر ربّهم ، الذّي هو خالقهم ورازقهم ،ويعلمون أن الذّي عنده هو خير لهم وأنفع ممّا في أيديهم ، لأنّ ما عندهم ينفد وما عند الله باق.
والله ولي التوفيق .