الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
يقول تعالى في كتابه الكريم:﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 108]
وقال تعالى :﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾
[ سورة فصلت: 46]
وقال سبحانه :﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾
[ سورة الكهف: 49]
وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه: «يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تَظَالموا، يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه فاستهدوني أَهْدَكِم، يا عبادي، كلكم جائِعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوتُه فاسْتَكْسُوني أَكْسُكُم، يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا فاستغفروني أغفرْ لكم، ياعبادي، إنكم لن تَبلغوا ضَرِّي فتَضُرُّونِي ولن تَبْلُغوا نَفْعِي فتَنْفَعُوني، يا عبادي، لو أن أولَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلبِ رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفْجَرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صَعِيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كلَّ واحدٍ مسألتَه ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحْصِيها لكم ثم أُوَفِّيكُم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».رواه مسلم
في هذه الآيات وهذا الحديث العظيم قاعدة من قواعد الدّين وأصل من أصوله ،وكان التابعون إذا حدّثوا به جثّوا على ركبهم من عظمه ، وأكبر قضية في هذا الحديث ،
أن الله عزّ وجل حرّم الظلم على نفسه وجعله بين النّاس محرما ،فلا يظلم ربّك أحدا،
والله سبحانه وتعالى أخبر أنّه لا يحب الظالم ونفى عنه الفلاح ،ووعد بقطع دابره ولا يدوم على نصرته أحد ،قال الله تعالى : ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[ سورة آل عمران: 192]
بل إنّ الظالم يسلط الله عليه ظالما أقوى منه ،كما قال سبحانه :﴿ وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[ سورة الأنعام: 129]
يقول ابن كثير رحمه الله :أي نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض جزاء على ظلمهم وبغيهم» .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوي : "الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة.
ثمّ ينبغي أن نعلم أنّ التسلّط على الخلق وظلمهم مسلك يؤدي بصاحبه إلى أشنع حال وأسواء مآل ،وإنّ من أصول الإسلام محاربة الظلم بشتّى صوره،ومختلف أشكاله .
وإن من أعظم ما يحمي الإنسان من الظلم ويدرأ عنه شرور الوقوع فيه ،تذكّر عاقبته الوخيمة في الدنيا ،ومآله الشنيع في الآخرة .
فالظالم أيّامه معدودة في هذه الدنيا ،قال تعالى :﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾[ سورة مريم: 84]
و عن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:(إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً
فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ
فنسأل الله أن يجنبنا الظلم ما ظهر منه وما بطن ،إنّه ولي ذلك والقادر عليه.