الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن التفقه في الدين من أفضل الأعمال، وهو علامة الخير؛ قال صلى الله عليه وسلم: من يرد اللهُ به خيرا، يُفَقِّهْهُ في الدين. متفق عليه؛ وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح. والعلم في الإسلام يسبق العمل

المزيد
آخر الأخبار

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ثم أما بعد :

عباد الله: إنّ الصلاة عمود الدين، فإذا صلحت الصلاة صلح سائر الأعمال، وإذا فسدت فسد سائر الأعمال، وهي رأس مال العبد، متى أهملها ولم يحافظ عليها أفلس وخسر، ومتى حافظ عليها أفلح ونجح.

لقد أثنى الله على المحافظين على الصلاة، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[المعارج: 34]، وأثنى الله على الخاشعين في صلاتهم، فقال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1، 2]، وحذَّر الله المتأخرين عن أداء الصلاة، فقال -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4، 5]، ولعظم أهمية الصلاة لم تفرض في الأرض كغيرها؛ بل فرضت في السماء السابعة ليلة المعراج، وهي الصلة بين العبد وربه، ففي الحديث: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"(صحيح الجامع).

كلنا يدعي حب الإسلام، فيا عبد الله: إذا أردت أن تعرف قدر رغبتك في الإسلام وحبك للإسلام واعتزازك بالإسلام، ففتِّش عن رغبتك في الصلاة واهتمامك بها، فإن قَدْر الإسلام في قلبك كقَدْر الصلاة في قلبك، يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ أرادَ أنْ يعلَمَ ما له عند الله فليَنْظُرْ ما لله عنده"(حديث حسن)، فإذا أردت أن تعرف منزلتك أو ثوابك أو عقابك عند الله فانظُر ما لله عندك، كيف تفعل أنت مع الفرائض؟ هل تحزن إذا فاتتك صلاة مع الجماعة؟ وكيف أنت مع الواجبات، وسائر حقوق الله -تبارك وتعالى-؟ فإن الجزاء من جنس العمل، وعن الحسن قال: "يا بن آدم، أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتُك؟!".

قد فرض الله الصلاة من فوق سبع سماوات، وفارق النبي -صلى الله عليه وسلم- الدنيا وهو يُوصي أصحابه والمؤمنين من بعده قائلًا: "الصلاةَ الصلاةَ وما مَلَكَتْ أيمانُكم"، تبدأ نهارك بالصلاة، وتبدأ ليلك بالصلاة، أول ما يؤمر به الصغير من الدين الصلاة، وأول ما تُسأل عنه يوم القيامة الصلاة، تجدب الأرض فنُصلِّي، وتُكسَف الشمس فنُصلِّي، نستخير في الأمر بالصلاة، ونستقبل العيد بالصلاة، نصلي في الحَضَر والسَّفَر، والخوف والمطر، نودِّع موتانا بالصلاة، وننثر شكوانا في الصلاة، فبالله عليكم كيف يعيش مَنْ لا يُصلِّي؟!.

كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق: "إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، فهل تُعظِّم الصلاة؟.

من صور تعظيم الصلاة: التبكير إلى المسجد، والصلاة في الصف الأول؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن: "إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأوَّلِ"؛ قالوا: يا رسولَ اللهِ، وعلى الثاني؟ قال: "إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأولِ"؛ قالوا: يا رسولَ اللهِ وعلى الثاني؟ قال: "وعلى الثاني"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدُوا إلا أن يستهِمُوا عليه لاسْتهَموا عليه، ولو يعلمون ما في التهْجيرِ -يعني التبكير إلى الصلاة- لاسْتبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَةِ -العشاء- والصبحِ لأتوْهما ولو حبْوًا"(رواه البخاري).

ومن صور تعظيم الصلاة: ذكر الله بعد الفراغ منها بالأذكار المشهورة؛ من الاستغفار، وقراءة آية الكرسي، والمعوذات وغيرها، فإن الإنسان لا يخلو من تقصير في صلاته؛ فلهذا شرع له أن يستغفر ثلاثًا، ثم يأتي بالأذكار الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

ومن صور تعظيم الصلاة: المحافظة على السنن الرواتب، عن أم حبيبةَ أمِّ المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن صلَّى اثنتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ؛ بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة"(رواه مسلم).

ومن صور تعظيم الصلاة: التوقف عن سائر الأعمال الدنيوية حين سماع الأذان والذهاب إلى الصلاة؛ قال عدي بن حاتم: "ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء"، وكان إبراهيم بن ميمون أحد المحدِّثين يعمل صائغًا يطرق الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء وضعها ولم يردها، وقال سعيد: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد".

فاللهَ اللهَ في الصلاة، حافظوا عليها وعظِّموها في نفوسكم ففيها سعادة الدنيا والآخرة.

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه.

 

الكلمة الشهرية
بشرى لأهل الإستقامة

أقرأ المزيد
القائمة البريدية