{من آداب إستعمال الهاتف الجوال}
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن مما جَدَّ في هذه الزمان وانتشر (الجوال)، هذا الجهاز الذي أصبح مع الصغير والكبير، ومع الرجل والمرأة، بل ربما تجد الواحد معه أكثر من جوال، والجوال كما هو معلوم من وسائل الاتصال بين الناس، ولازال يتطور حتى أصبح فيه كلُ شيء، فيشاهد الإنسان من خلاله، ويستمع ويتكلم، ويكتب ويقرأ، وصار العالم المترامي الأطراف كله في جوالك!.
ومن تأمل في واقع الناس وجد أن هذا الجوال بالنسبة لبعضهم نعمةٌ عظيمة؛ فهو يصل به رحمه، ويشاهد ويستمع ويرسل ما ينفعه في أمور دينه ودنياه، وبعضهم أصبح الجوال نقمة عليهم وهم غالب الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
فدعونا نتأمل في بعض الآداب المهمة والأحكام المتعلقة بالجوال:
فمن الآداب المهمة: الاقتصاد في استخدام الجوال، سواء في الاتصال أو المراسلة أو المشاهدة والاستماع، إلا إذا كان هذا في أمرٍ يرضي الله.
فكثيرٌ من الناس يصرف أوقاتاً كثيرة في استعمال الجوال، وربما قصر في حقوقٍ واجبة؛ كحق الله كأداء الصلاة في وقتها مثلاً، أو حق الغير كحق الوالدين أو حق الزوجة والأولاد، أو تقصير المرأة في حق زوجها، أو التقصير في حقوق النفس كالنوم مبكراً، مما يترتب عليه تأخير الصلوات،عن وقتها.
ولا شك أن هذه الجوالات سرقت أوقاتاً كثيرة، وأصبح البعض منا يجلس عليها الساعات الطويلة، وكتاب الله في بيته قد علاه الغبار لم يقرأ فيه ولو لدقائقَ يسيرة، وهذا -والله- من الغبن يعني الخسارة، ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".
ومن الآداب المهمة: عند الاتصال بالغير أن تبدأه بالسلام، وتكون البداية من المتصل، وبعضهم استبدلها بمساء الخير وصباح الخير، ويرد وجوباً فيقول: وعليكم السلام.
ومن الآداب المهمة: أنك إذا اتصلت على شخص ولم يعرفك أن تقول: معك فلان، وتسمي نفسك، ولا تحرجه فتقول: ما عرفتني؟ ما خزنت جوالي عندك؟، في الصحيحين عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: "مَنْ ذَا؟"، فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: "أَنَا أَنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.
ومن الآداب المهمة في الاتصال: مراعاة حال المتصل والتماس العذر له في عدم الرد؛ فقد يكون نائماً، وقد يكون مشغولاً، ومن الخطأ إساءة الظن بدون وجود ما يدعو لذلك؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ"، وينبغي للمُتَصل عليه أن يعتذر ولو برسالة في عدم الرد إن تيسر له ذلك، خاصةً إذا جاءه الاتصال أكثر من مرة، وبهذا يقطع مداخل الشيطان على أخيه.
ومن الآداب المهمة التي تتعلق بالجوال: عدم الانشغال به أثناء مجالسة الناس والحديثِ معهم خاصة الوالدين، فليس من احترام من تجالسهم ويتحدثون معك أن تنشغل بالجوال عنهم، وأصبحت بعض المجالس عديمةَ الفائدة بسبب ذلك، وربما اشتكى الوالدان من انصراف الأولاد عن الحديث معهم، مما جعل بعض الأمهات تقول لأولادها: الذي يريد أن يجلس معي لا يخرج جواله من جيبه!.
ومن الآداب المهمة التي تتعلق بالجوال: عدم وضع الجوال على النغمات الموسيقية، فهذا من الأمور المحرمة، وتعظم الحرمة إذا كان هذا في بيوت الله؛ لما في ذلك من أذية المصلين والملائكة، في مسند الإمام أحمد والحديث سنده صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَكَشَفَ السُّتُورَ، وَقَالَ: "إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ".
فتأملوا -عباد الله- النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى الصحابة عن رفع أصواتهم بقراءة القرآن في المسجد، ويجعل هذا من أذية بعضهم لبعض، فكيف الحكم بأصوات المعازف؟ لا شك أن النهي أشد والأذية أعظم.
فعليك -أيها المسلم- أن تضع جوالك على منبه ليس فيه أصواتٌ موسيقية، وإذا أردت دخول المسجد أغلق جوالك، أو ضعه على وضع الصامت.
فإذا نسيت الجوال ودق عليك وأنت تصلي فيجب في هذه الحالة أن تخرجه من جيبك وتغلقه أو تصمته، وهذه حركة واجبة في الصلاة؛ لأن فيها دفعاً لأذى المصلين.
ومن الآداب المهمة التي تتعلق بالاتصال: إذا كلمت وعندك أُناس فلا تفتح مكبر الصوت إلا بعد أن تستأذن منه؛ لأنه ربما يقول كلاماً لك ويتبسط معك، ولو علم أن هناك من يسمع ذلك ما تكلم بهذا الكلام، بل بعض العلماء عد هذا من الخيانة، وتعظم الخيانة إذا تم تسجيل صوت المتكلم بدون إذنه ونشره بين الناس، وهذا يترتب عليه مفاسد عظيمة.
أسأل الله أن يهدينا للأخلاق الحسنة لا يهدي إليها إلا هو.