الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
أما بعد: فإن من توفيق الله للعبد أن يهديه للإسلام الخالص، وذلك بتحقيق التوحيد وإفراد الله -تعالى- بالعبادة، ثم يجزيه على ذلك بالأمن من الخوف والعذاب في الآخرة، والهداية إلى الصراط المستقيم في الدنيا، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82]، ومعنى (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ) أي: لم يخلطوا إيمانهم.
ولما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة فقالوا: يا رسول الله: "وأينا لم يظلم نفسه؟"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ليـس الأمر كما تظنـون، ألم تسمعوا قـول لقمان لابنه: (يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13]، فقد فهم الصحابة أن من اقترف ظلماً لم يحصل له الأمن ولا الاهتداء، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المقصود بالظلم هنا هو الظلم الأكبر وهو الشرك.
وتأملوا رحمة الله ومنته على عباده، حيث أنعم -تعالى- على من حقق التوحيد بالأمن والاهتداء، قال الحسن: "لهم الأمن في الآخرة والاهتداء في الدنيا"، وكلما كان توحيد المرء أكمل وأتم، كلما كان الأمن والاهتداء له أتم وأكمل، وإنما يكون تحقيق التوحيد وكماله بمعرفته والاطلاع على حقيقته، والقيام بها علماً وعملاً، وتصفيته من الشرك والبدع والمعاصي، فإذا وقع في المعصية سارع إلى التوبة منها.
ومن علم منزلة تحقيق التوحيد وأهميته، وما أعد الله لأهله من الأجر المترتب على تحقيقه، دعاه ذلك إلى تنقيته وتخليصه من كل شائبة، وعده الكنز الذي لا يُفرَّط فيه، والهدف الذي لا بد من بلوغ منتهاه، ولو كان ذلك على حساب ذهاب المال والنفس.
ثم إن التوحيد هو طوق النجاة الذي لا بد أن يسعى كل مسلمٍ للحصول عليه، والتشبث به غاية التشبث، والعض عليه بالنواجذ، ومن نعمة الله -تعالى- البالغة، ومنتهى مِنَّتِه التي لا يُوفَّق إليها إلا من أراد الله به خيراً، أن كان هذا التوحيد إذا حققه صاحبه على الوجه المطلوب، سبباً لتكفير الذنوب؛ وذلك أن التوحيد حسنةٌ عظيمةٌ لا تقابلها سيئةٌ إلا طمستها وأذهبت أثرها.
والله الموفق لما يحبه ويرضاه.