الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن التفقه في الدين من أفضل الأعمال، وهو علامة الخير؛ قال صلى الله عليه وسلم: من يرد اللهُ به خيرا، يُفَقِّهْهُ في الدين. متفق عليه؛ وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح. والعلم في الإسلام يسبق العمل

المزيد
آخر الأخبار

الحمدُ لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان علمه البيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره. قرن رفعة أهل العلم برفعة أهل الإيمان (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله.. بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة. فهو أمينُ الوحيين السنة والقرآن. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي النهى والعلم و العرفان، والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

أما بعدُ:

فانّ علمُ الشريعة هو ميراثُ النبوة، وعنوان الرسالة. لا فلاح في الدارين إلا به، ولا سبيل للنجاة إلا بالتعلق بسببه، فمن ظفر به فاز وغنم، ومن صُرفَ عنه خاب وحُرم. قطب السعادة ومدارها، ضياء النبوة، ونور الشريعة، الوصولُ إلى الله ورضوانه بدونه محالٌ، وطلبُ الهدى بغيره هو عينُ الضلال. من سلك غير ذلك فطريقه مسدودٌ، ومن ابتغى الحق في غيره فسعيه عليه مردود.

وصلاح الأمة لا يكون راسخ البناء، ولا جميل الطلاء، ولا محمود العقبى، إلا إذا كان موصولاً بحقائق الدين، ومصطبغاً بآداب الشرع. وذلك لا يكون ولن يكون إلا حين يقوم العلماء الربانيون بمسئولياتهم، وينهضوا بما استحفظوا من الدين، وما أوتوا من العلم.

وحين يطالبُ العلماء بمسئولياتهم، فيجبُ على الأمة أن تحفظ حقوقهم، وتعرف مكانتهم، وتقدرهم حق قدرهم، وتلتزم الأدب معهم، إنهم العلماء وارثوا علم الرسالة.. خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، المحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، هم النجوم بهم يهتدى ويقتدى، فيهم رجاحة الرأي، وصرامة العزم، وخلوص السرائر، إذا رأوا حقاً أعانوا، وإن أبصروا عِوجاً نصحوا، وإن لمحوا تقصيراً نبَّهوا.

ينظرون في أحوال الناس، يصححون العقائد والعبادات، يدلون على السنن، ويحذرون من البدع، ينفون عن الأمة خبث المزاعم الباطلة، والمبادئ المنحرفة. بعلمهم وتعليمهم – بإذن الله- يكون الناس أنقياء الفكر، وأتقياء العمل. يُصلحون في معاملات الناس ما كان فاسداً، ويصلون منها ما كان مقطوعاً، بجهودهم وتوجيههم –بتوفيق الله- يتضح الحق، وينكشف الضر، وتسود السعادة. يرفقون في الخطاب، ويلينون في الإرشاد .. لا يقولون ما ليس بحق، ولا يأتون ما ليس بمصلحة. يأخذون بالتي هي أرضى للخالق.. فهم مثال الاستقامة، وعنوان الصلاح. يحتملون المكاره في سبيل ما يقدمون من نصائح، ويتجلدون عند الأذى، هم أسرعُ الأمة إلى الائتمار بما يأمرون، والمبادرة في الكف عما يحذرون. معقل الدين، ومشرق الهداية.. يبلغون رسالات الله بعد أنبياء الله. هم الجنود يُرمى بهم العدو في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل صورة. يجمعون بين ما صح من أقوال السلف، وما صلح من أراء الخلف.

وهم بأمثال هذا الثناء جديرون، وبتسطير هذا الإطراء حقيقون، فهم بالعلم عاملون، وعلى الحق سائرون. يهدون بالحق وبه يعدلون، وعلى رغم كل هذه الجدارة، وعلى التسليم بهذه الأحقية. فإنهم غيرُ معصومين. تبدر منهم الزلة، وتقع منهم العثرة، وتنبو منهم الكبوة. والعصمة غيرُ مضمونة لأي عالم، ولو جمع شروط الاجتهاد كلها، ومقاييس الصلاح جميعها، ولكنَّ المضمون لهم –إن شاء الله- الأجرُ على اجتهادهم – أصابوا أو أخطئوا.

أيها الشباب، أيها الدعاة، يا طلاب العلم، العالمُ لا يؤخذُ بزلته، ولا يتبع بهفوته. فليس أحدٌ من أفراد العلماء إلا وله نادرةٌ.. ينبغي أن تدفن في بحر علمه، وتنسى في جنب عظيم فضله. اسمعوا إلى مقولة الحافظ الذهبي –رحمه الله-: لو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهادٍ في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له. قمنا عليه، وبدعناه وهجرناه؛ لما سلم معنا لا ابن نصرٍ ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، ونعوذ بالله من الهوى والفظاظة. اهـ كلامه.

ومنْ ظِفِر بخطأ عالم فلا يفرحْ، ولا يتبعْ العثرات. ولكن ليصحَّح الخطأ، و لينبهْ إلى الصواب، وليحذر التشهير والتشنيع. فإن المنصف يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام، قد تظهرُ وقد تخفى في العاجل أو في الآجل.

إن قاصد الحق، وصادق الهدف بحاجة إلى عقل يقظ، وضمير حيَّ. بحاجةٍ إلى علم نافع، وإيمانٍ وازع. يحيط ذلك سياجٌ من الخلق الفاضل، في لسان عفيفٍ، ونظرٍ متورع. وقبل ذلك وبعده.. هو بحاجةٍ إلى إخلاص القصد لله وحده، والتجرد للحق، ومجاهدةِ النفس؛ حتى تتحرر من اتباع هواها، وهوى غيرها.

يا طلاب العلم، احذروا كثرة الخصام، وإطالة الجدل. فالتوسع في ذلك من قلة الورع، وسلوك غير هدي السلف. سمع الحسن –رحمه الله- قوماً تعالى جدلهم، وتنافرت مقالاتهم، فقال: هؤلاء ملوا العبادة، وقل فيهم الورع؛ فخف عليهم القول؛ فتكلموا فيما تكلموا، وخاضوا فيما خاضوا.

احذروا التطاول على علماء الأمة، أو التهوين من فقه السلف. أو العلم الموروث. فالتجريح بغير حق لا يجوز، ورفض الدليل محرمٌ لا يسوغ.

ألا فاتقوا الله ربكم، وأصلحوا ذات بينكم، واعرفوا لكل ذي فضل فضله، وأقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه.

الكلمة الشهرية
بشرى لأهل الإستقامة

أقرأ المزيد
القائمة البريدية