الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ، والطَّوْلِ والإنعامِ، أحمدُه -سبحانَه- وأشكرُه، على آلائهِ العظامِ، ومِنَنِه الجسامِ، والصلاةُ والسلامُ، على خيرِ الأنامِ، نبيِّنا محمّدٍ، خيرِ مَنْ صلَّى وقامَ، وحجَّ وصامَ، وعلى آلِه وصحبِهِ، الخِيَرَةِ الكرامِ.
أمَّا بعدُ: إنَّ كُبرى القضايا التي قام عليها منسك الحج العظيم، بل وقامت عليه جميع الطاعات والعبادات، هي تحقيق التوحيد، وتجريده لرب العبيد، وإظهار الاستسلام لله بالطاعة، والانقياد له بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "التوحيد هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا غيره، وبه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، كما قال تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)[الزُّخْرُفِ: 45]، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الْأَنْبِيَاءِ: 25].
التوحيد -عبادَ الله- هو الحسنةُ التي لا تعدلُـها حسنةٌ، والقُربةُ التي لا تُوازيها قُربةٌ؛ فحسنةُ التّوحيدِ تأتي على السيئاتِ فتمحُوها، وعلى الآثامِ فتجلُوها، عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- حينما أُسريَ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ"(أخرجهُ مسلمٌ).
قال أهلُ العلمِ -رحمَهُم اللهُ-: "الـمُقْحِماتُ: الذنوبُ العظامُ التي تُقحِمُ وتُدخِلُ صاحبَها النارَ" عياذًا باللهِ.
فاحرِصُوا -عبادَ اللهِ- على تحقيقِ التوحيدِ، واحذرُوا ممَّا يُعَكِّرُ نقاءَهُ، ويَخدِشُ صفاءَهُ، وتمسَّكُوا بالسُّنَّةِ، وجانِبُوا أهلَ الأهواءِ والبِدَعِ المُضلَّةِ؛ فالعبادةُ لا تُصرَفُ إلَّا للهِ وحدَهُ، لا لِمَلَكٍ مُقرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مرسَلٍ، فضلًا عمَّنْ دونَهُم من الأولياءِ والصالحينَ، ممَّن لا يملكُ لنفسِه نفعًا، ولا ضرًّا، ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نُشُورًا.
واشكروا اللهَ على هذهِ النّعمةِ العظيمةِ، وجاهِدوا أنفسَكُم عليها، فإنَّ رُتبةَ أحدِكُم عندَ ربِّهِ بقدرِ ما حقَّقَ من أصلِها وكمالِـها.
والله ولي التوفيق .