الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي من كانت على مثل ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. رواه أبو داود؛ وابن ماجة؛ وابن حبان في صحبحه برقم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال:الجماعة. صححه الألباني في صحيح ابن ماجة وفي السلسلة الصحيحة.
ومن هذه الفرق التي خرجت عن جماعة المسلمين فرقة ضالة منحرفة هي الخوارج، لا يلتزمون بالسنة والجماعة، ولا يطيعون ولي الأمر، ويرون أن الخروج عليه من الدين، وأنّ شقّ العصا من الدين فهم يخالفون قوله تعالى: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" [النساء: 59].
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى في (مجموع الفتاوى: 28/ 497): "فهؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً, ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم, في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية، وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان؛ لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد. رواه البخاري ومسلم.
وهذا نعت سائر الخارجين كالرافضة ونحوهم؛ فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين؛ لأن المرتد شر من غيره". اهـ.
والخوارج لهم صفات يعرفون بها في هذا العصر وأهمها ما يلي:
أولاً: التديّن بالخروج على ولاة الأمر وعدم السمع والطاعة لهم بالمعروف:
فقد دلّ الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، وعدم الخروج عليهم، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ]. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني. متفق عليه. وعنْ عَرْفَجَةَ بنِ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ. أَخْرَجَهُ مُسلِمٌ.
ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، بل يجب الصبر وعدم الخروج، والسمع والطاعة لولاة الأمور في طاعة الله؛ فلا يجوز لأحد أن يشق العصا أو يخرج على ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك؛ فهذا من أعظم المنكرات وأعظم أسباب الفتنة والشحناء، والذي يدعو إلى ذلك فهو منحرف ضال يجب التحذير منه حتى يحذره الناس.
والذين يجيزون الخروج على الحاكم هم الخوارج والمعتزلة والروافض، أمّا أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فمتّفقون على عدم جواز ذلك، ويخالفون أهل البدع في هذا ولا يرون الخروج على الحاكم المسلم ؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهلية. متفق عليه.
ثانياً: يُكفِّرون المسلمين بالذنوب، ويقاتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان:
الخوارج يكفرون بالمعاصي، ويقاتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة. رواه البخاري، ورواه الامام أحمد في مسنده.
هؤلاء ما فهموا الدين، وإنما تحملهم الحماسة فقط لتغيير المنكر؛ فوقعوا فيما يخالف الشرع نعم وقعوا في الباطل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي واستباحوا دمائهم من قتل للرجال والنساء والصبيان وقتل العسكريين، وراح هؤلاء المجانين يُفجِّرون أنفسهم في الشوارع والساحات والمساجد والأسواق؛ فقتلوا الآلاف المؤلفة من المسلمين، ويقولون هذا جهاد والله المستعان.
ففي الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح، فجزع ، فأخذ سكينًا، فحزّ بها يده، فما رقأ الدمُ حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة.
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجّأُ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه ، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا. وفي رواية للبخاري: الذي يخنُقُ نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعُن نفسه، يطعُنُها في النار.
ثالثاً: تهييج الناس بذكر معايب الحكام والطعن فيهم والحثّ على الخروج عليهم والتظاهر ضدّهم:
اعلم أنّ الخروج على الإمام يكون بالسيف ويكون بالقول والكلام، ولا يمكن أن يكون خروجاً بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول، فلا بد من أنه هناك شيء يثيرهم وهو الكلام، والخروج على الأئمة يكون بالسيف وهذا أشد الخروج، ويكون بالكلام، بسبهم وشتمهم في المجالس وعلى المنابر، فترى هؤلاء الخوارج يقدحون في وَليَّ أمرهم، ويهيجون الناس عليه، ويدْعون الناس الى المظاهرات، والاعتصامات والفتن، وحرق البلاد والعباد؛ فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة. وهؤلاء هم الخوارج القعدية، وهم أخطر من الخوارج أنفسهم ولا يرون الخروج بل يزينونه وهم أخطر ممن خرجوا بالسلاح يقولون بقولِهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله - واصفاً الخوارج القعدية - (تهذيب التهذيب: 8/ 114):
والقعد الخوارج، كانوا لا يرون الحرب، بل ينكرون على أمراء الجور حسب الطاقة ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه. اهـ.
والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: من أرادَ أن ينصحَ لسلطان بأمر؛ فلا يبدِ له علانيةً ولكن ليأخذْ بيدِه، فيخلوا به، فإن قَبِلَ منه فذاكَ، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه. رواه أحمد وصححه الألباني.
ومن رؤوس الخوارج في هذا الزمان
عدنان عرعور، وعلي بن حاج الجزائري، ومحمد حسان، والحويني، وسلمان فهد العودة، والقرضاوي، وعبد المقصود المصري، والمغراوي المغربي، وعماد الفراج الحدادي التكفيري، والظواهري، وعائض القرني وغيرهم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه أبو إسلام سليم بن علي بن عبد الرحمن بن الصحراوي حسان بليدي الجزائري