الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،،
فإنّ مما ابتليت به الأمة في هذا الزمان، كثرة المتصدرين من أهل الزيغ والانحراف والضلال، صار ديدنهم انتقاص أهل العلم الربانيين وتنفير الناس عنهم ويأتي هولاء بشبه وتلبيسات يشوبها الجهل والحسد و الحقد والضعف، والله المستعان.
قال ابن المبارك - رحمه الله تعالى -:
من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته ( شرح العقيدة الطحاوية» (2/ 740).
وقال الحافظ ابن عساكر -رحمه اللَّه تعالى-:
واعلم يا أخي - وفقنا اللَّه وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته -: أن لحوم العلماء - رحمة اللَّه عليهم - مسمومة، وعادة اللَّه في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه برآء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره اللَّه منهم لنعش العلم خلق ذميم.
ينبغي علينا جميعا توقير أهل العلم، والرد على المتنطعين الذين لا يرعون حقاً ولا يحفظون حرمة، والسلف الصالح كانوا يوقرون أهل العلم؛ لأن توقيرهم من توقير العلم الذي يحملون، والوقيعة فيهم شر وفتنة وفساد؛ لأن فيها تنفيراً عنهم وعما يحملون من العلم.
وقال ابن عساكر رحمه الله تعالى:
فمن أضل سبيلاً ممن اتبع هواه ، واستفرغ في ذم العلماء بالباطل قواه، ولم يرقب فيهم إلاً ولا ذمة، ولم يرع له محلاً ولا حرمة، ومن أعظم جهلاً ممن فرغ نفسه للطعن والوقيعة في الأكابر والأعيان من علماء الشريعة!! ولو أمعن فيما قاله تفكراً لعلم أنه أتى أمراً مستنكراً، ولو كان بأحكام الشريعة خبيراً، لتيقن أنه ارتكب حوباً كبيراً، وكفاه تركاً للحق أو اجتنابا، عده ما ذكره من البهتان في حقه احتساباً، فما أسعده أن سلم مما ذكره رأساً برأس، وانفلت منه كفافاً بغير بأس، وأنى له بالسلامة وقد خرج من حد الإستقامة، ولو قال بدل واصل موصلاً لكان قد ذكر لفظاَ مستعملاَ، لكن عُجْمَته تحمله على تجنب الصواب، وجهالته تقتضي له تعسفه في الخطاب.
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته:
وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر، لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. انتهى.
انتبه لا تكن من هؤلاء المغرورين الذين سلكوا مسلك الطاعنين في العلماء وانتقاصهم، أمثال عبد الحميد العربي الجزائري الذي لم يُحكِم علماً، ولم يُهَذَّب خلقاً ولم يُرتِّب عملاً ولم يراقب قلباً سوى اتباع الهوى.
ليس بغريب على هذا المغرور، عبد الحميد العربي الذي وصل إلى درجة من الجهل والغباء والحسد، فذهب يظهر حقده الدفين على العلماء والصالحين على القنوات الفضائية. فليعلم هذا المغرور الحاقد - هداه الله - أنه ينبغي على من في قلبه حسدًا للغير، ألا يبغي عليه بقول أو فعل. قال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء الآية:54].
قال ابن القيم ـ رحمه الله :
فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين المحبة عكسه. وما سلم من هذا إلا من أراد اللهُ كرامته، وارتضاه لقبول الحق. وقد قيل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما ان عين السخط تبدي المساويا
انتهى.
وهذا المغرور - هداه الله -؛ لقلة علمه ولجرأته، وعدم حيائه من الله، وعدم خوفه منه، تفنن في الطعن على أهل العلم، وخاصة علماء الجزائر والتغييب لدورهم في نشر الدعوة السلفية بين أفراد المجتمع في الجزائر وخارجها، فهذا هو الداء العضال، وهذا يشهد به القاصي قبل الداني.
روى الطبراني وغيره من حديث أمية الجمحي - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنّ من أشراط الساعة أن يُلتمسَ العلمُ عند الأصاغر (صحيح الجامع ). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا.
نصيحتي لعبد الحميد العربي - هداه الله تعالى - أن يعرف قدره، ولا يتجاوز حدّه، وأن يتوب الى الله - جل وعلا - توبة نصوحًا. قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. [الزمر: 53 ].
وأن يحذرَ من هذه الأقوال والأفعال القبيحة، ولْيكفَّ لسانَه عن أهل العلم فقد ورد في الحديث: "وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم. وعليه أن يحذر من كل اتجاه يخالف ما كان عليه السلف الصالح - رضي الله عنهم -لقول ربنا جل شأنه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء].
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى -:
أُوصي أبنائي وإخواني بطلب الحق والبحث عنه في كل قضية من القضايا، سواءٌ كانت اتفاقية أو كانت اختلافية؛ فالمؤمن الذي يريد وجه الله والدار الآخرة لا ترتاح نفسه ولا يستريح ضميره إلاّ بعد أن يصل إلى الحق، ولا سيما في قضايا الخلاف، وفي أوقات الفتن؛ فلا يتحرك أي حركة على أساس إلا الحق، وعلى علم وبصيرة، وإذا اختلف شخصان ولو كان أبوه أو شيخه، فلا يجوز له أن ينحاز له أو عليه حتى يدرس الأمور، ويعرِفَها على حقيقتها تماماً، ثمّ بعد ذلك يحدد موقفه ويقف إلى جانب الحق الذي تبيّن له هذا الذي يجب على المسلم. وما عدا ذلك فإنه من أساليب الجاهلية، ومن التعصبات الباطلة الجاهلية، لا يستليق بمسلم ولا يجوز أن يسير على هذا الدرب السيء.
فنسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يجزيَ امشائخ الجزائر عنا خيرًا، وأن يحفظهم بحفظه، وأن يكفيهم شر الحاسدين والحاقدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كتبه سليم بن علي بن عبد الرحمان بن الصحراوي حسان بليدي الجزائري