الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
عباد الله ،إنّ لهذه الأمة سلفا هم أبّر النّاس قلوبا ، أعمقها علما ، أقومها عملا ، أحسنهم إيمانا ،أقلّهم تكلّفا ،سيرة كل واحد منهم عظة وعبرة لمن يعتبر ،وفي اقتفاء آثارهم نور وهداية ،وفي الحياد عن طريقهم ضلال وغواية.
إنّنا مع واحد من هؤلاء العظماء ،إنّه رجل عاش الجاهلية والإسلام ، رجل غليظ شديد ولكن على الباطل ،ورقيق حليم ،رحيم بالمؤمنين .
وليّ من أولياء الله بحق، خليفة من خلفاء المسلمين ،علم من أعلام هذه الأمة ،ورجل من خيرة رجالها ،صائم إذا ذكر الصّائمون ،وقائم إذا ذكر القائمون ،وبطل مغوار إذا ذكر المجاهدون ،إذا ذكر الخوف ،قيل كان له خطّان أسودان من البكاء ،واذا ذكر الزّهد والإيثار ،قيل لم يكن يأكل حتّى يشبع المسلمون.
واذا ذكرت الشدّة في الحقّ ،قيل هو الذي كان ابليس يفرّ من ظلّه ، والشياطين تسلك فجّا غير فجّه ،أي طريقا غير طريقه.
مرقّع الثياب ،ولكنّه راسخ الإيمان ،تولّى أمر المسلمين فطوى فراشه .
إنّه الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ورفيقه في دعوته وجهاده ،والخليفة الراشد بعد وفاة النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ ،كان النبى ـصلى الله عليه وسلم ـ يدعوا الله أن يعزّ به الإسلام فاستجاب الله دعاءه .
وفي قصة إسلامه عدّة روايات ،وخلاصة الروايات ـ مع الجمع بينها ـ أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة ”الْحَاقَّةُ”،فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال: فقلت ـ أي في نفسي: هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال: فقرأ { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } [الحاقة: 40- 41] قال: قلت: كاهن. قال: { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } إلى آخر السورة [الحاقة: 42- 43] . قال: فوقع الإسلام في قلبي.
فكان إسلامه عزّة للإسلام ،يقول ابن مسعود رضى الله عنه {مازلنا أعزّة منذ أسلم عمر }رواه البخاري
ويقول رضي الله عنه أيضا : (كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت امارته رحمة، لقد رأينا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا).
سمّاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالفاروق ،أي الّذي يفرق بين الحقّ والباطل.
قال ابن سعد في طبقاته {إنّ أول من سمّي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ،وإنّه أول من كتب التاريخ ،كتبه من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ،من مكة إلى المدينة،وهو أول من جمع القرآن في المصحف ، وهو أول من جمع النّاس على قيام شهر رمضان وكتب به إلى البلدان.
إذا أردنا أن نتحدث عن سيرته رضي الله عنه ،فبماذا وعن ماذا نتحدث؟ أنتحدث عن دينه وعلمه ،أو نتحدث عن زهده وورعه وتقواه ، أو عن حكمه وسياسته وعدله ،أو عن شجاعته وقوته وجهاده ، أو عن محافظته على سنة النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ والتمسك بها وتأديب كل من حاول الإحداث في الدّين .
يتبع باذن الله .............